Abstract
تخيل حمارًا يمشي وحيدًا مُنهكًا بعد ان قضى وقتًا طويلاً بحثًا عن الطعام، وفجأة وجد أمامه كومتين متطابقتين من التبن اللذيذ على مسافتين متساويتين من موضعه، واحدة على اليمين وأخرى على اليسار. من المفترض وقتئذٍ أن ينكب الحمار على إحدى الكومتين إشباعًا لجوعه، لكنه يقف حائرًا: أي الكومتين يختار؟ أو بأي منهما يبدأ إن قرَّر تناول كليهما؟ ولا يجد الحمار المسكين سببًا وجيهًا لتفضيل إحداهما على الأخرى، ويمضي الوقت، ويزداد الحمار جوعًا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة عاجزًا عن اتخاذ قرار عقلاني يُسوغ له اختيار إحدى الكومتين!
تُعرف هذه التجربة الفكرية التي كانت وما زالت تُمثل لغزًا فلسفيًا باسم «حمار بوريدان»، نسبة إلى الكاهن والفيلسوف الفرنسي «جان بوريدان» الذي عاش في القرن الرابع عشر (وربما تُنسب إلى منتقديه)؛ حيث كان مُهتمًا بمفهوم الإرادة الحرة، وذهب إلى أن السلوك البشري يتسم بالحتمية، وأن كل شيء يحدث أو يقوم به المرء إنما هو محكوم بسببٍ ما. لكنه أدرك وجود مشكلة في المواقف التي لا يوجد فيها سبب لتفضيل خيار على آخر؛ ففي حالة الحُكم على شيئين متكافئين ومتماثلين تمامًا، لن تتمكن الإرادة من كسر الجمود، كل ما يُمكنها فعله هو تعليق الحُكم حتى تتغير الظروف وتكون مبررات الحُكم واضحة. وبعبارة أخرى، لقد مات الحمار لأنه بلا إرادة، وحتى لو اتجه عشوائيًا إلى إحدى الكومتين فسوف يكون مدفوعًا فقط بحدسه الحي، حيث لا توجد طريقة عقلانية لاختيار بديل على الآخر، وبالتالي ينتفي أيضًا مفهوم الإرادة الحرة!